رحلة في الذاكرة- أسرار وتحديات مهنة المضيف الجوي

المؤلف: عزيزة المانع08.09.2025
رحلة في الذاكرة- أسرار وتحديات مهنة المضيف الجوي

كثيراً ما نسافر جواً، مستمتعين بالراحة التي يوفرها لنا طاقم الضيافة من مضيفين ومضيفات على متن الطائرات. وقد نختتم رحلتنا بإحساس بالرضا أو بخيبة الأمل، أو ربما بمشاعر حيادية لا تميل إلى الاستحسان أو الاستياء. ومع ذلك، نادراً ما نُمعن التفكير في الجانب الآخر الخفي من حياة المضيف الجوي بعد نزولنا من الطائرة.

محمد باحشوان، مضيف جوي متقاعد، قام بتدوين تجربته الثرية في عالم الطيران السعودي في مؤلف قيّم أسماه "رحلة في ذاكرة مضيف جوي". لقد فتح هذا الكتاب نافذة فريدة للقارئ، تطل على عالم الضيافة الجوية بكل ما فيه من تفاصيل خفية وأسرار مجهولة. يتميز الكتاب بفرادة محتواه، إذ يسلط الضوء على الجوانب غير المرئية في مهنة المضيف، ويُغني معلوماتنا بمعارف جديدة. شخصياً، استمتعت بقراءة هذا الكتاب الممتع، واكتسبت منه الكثير من المعرفة.

يشرح المؤلف أن عمل المضيف يتطلب منه الاستعداد المبكر للرحلة، وذلك بدءاً بحضور اجتماع طاقم الرحلة للتعارف وتبادل المعلومات حول تفاصيل الرحلة والركاب الذين قد يحتاجون إلى عناية خاصة، مثل ذوي الاحتياجات الخاصة أو الأطفال المسافرين بمفردهم. بعد ذلك، يتسلم المضيف موقعه في الطائرة، ويقوم بفحص دقيق للتأكد من سلامة وجاهزية معدات السلامة والخدمة. قد يُكلف بعض المضيفين بفحص المطبخ للتأكد من نوعية الخدمة وعدد الوجبات ومدى كفايتها وصلاحيتها، بالإضافة إلى فحص دورات المياه وفقاً لإجراءات السلامة والخدمة المعتمدة. يجب إتمام كل هذه المهام قبل صعود الركاب إلى الطائرة.

إن قراءة الكتاب تُظهر مدى صعوبة هذه المهنة، فهي تتطلب تدريباً مكثفاً وإعداداً مسبقاً، تماماً مثل العديد من المهن الأخرى. يُتوقع من المضيف القيام بمهام متنوعة تتطلب مهارات وخبرات عالية، مثل التعامل مع حالات الطوارئ والإنقاذ، ومواجهة حالات الشغب والإزعاج التي قد تنشأ من بعض المسافرين، وتقديم الإسعافات الأولية السريعة في حالات الطوارئ الصحية والولادة المفاجئة. إضافة إلى ذلك، يجب أن يتحلى المضيف بالذكاء والفطنة والكياسة لحل المشكلات التي قد تنشأ بين الركاب بطريقة ودية ولطيفة.

علاوة على ذلك، يتعرض المضيف للتواصل المباشر مع الركاب، وهو ما قد يؤدي إلى مواقف مضحكة أو مؤلمة. تتراوح هذه المواقف بين الإعجاب والثناء أو تقديم الإكراميات، وصولاً إلى السخرية أو الشتائم أو حتى الدفع. يعرض الكتاب بعض المواقف التي مر بها المؤلف، والتي أدخلت السرور إلى قلبه أو تسببت له في الإزعاج والمضايقة، مثل لقاء بعض الشخصيات البارزة على متن الطائرة، أو حدوث حالات مرضية مفاجئة، أو نشوب خلافات بين المسافرين بسبب الإصرار على الجلوس في مقاعد غير مخصصة لهم، أو رفض بعض السيدات جلوس رجل بجوارهن، أو اكتشاف المسافرين في وقت متأخر أنهم يسافرون بدون تأشيرة، أو أنهم على متن طائرة متجهة إلى وجهة مختلفة عن وجهتهم المقصودة.

إن مهنة المضيف الجوي مهنة مرهقة تتطلب ساعات عمل طويلة يقضي معظمها واقفاً، ويعيش المضيف ساعات طويلة في الجو تحت ضغط هواء اصطناعي، ويتعرض باستمرار للاختلافات الزمنية بين الدول، مما يؤدي إلى اضطراب النوم وعدم انتظام الساعة البيولوجية. بالإضافة إلى ذلك، يعاني المضيف من صعوبات نفسية بسبب الغياب المطول عن أسرته وعدم القدرة على مشاركتهم الاحتفال بالمناسبات السعيدة، أو تقديم الرعاية اللازمة لهم خاصة عند مرض أحد أفراد الأسرة.

الأدهى من ذلك، أن مهنة المضيف تُعتبر من المهن غير الآمنة، حيث يكون المضيف أكثر عرضة لحوادث الطائرات، والوقوع في ظروف خطيرة مثل الإغلاق المفاجئ للمطارات، أو اندلاع الحروب الأهلية داخل المدن، أو غير ذلك من المواقف التي تهدد سلامته. ورغم كل هذه التحديات، فإن هذه المهنة لا تخلو من لحظات جميلة، فهي تتيح للمضيف فرصة زيارة العديد من المدن حول العالم، والتعرف على ثقافات وشعوب ومجتمعات جديدة ومختلفة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة